منع الزواج المبكر.. الدوافع والمالآت وحجم القضية/ بقلم: شريف محمد جابر

 
 

منع الزواج المبكر.. الدوافع والمالآت وحجم القضية/ بقلم: شريف محمد جابر

التبويبات الأساسية

رسالة الحالة

تم تحديث الالمحتويات‏ منع الزواج المبكر.. الدوافع والمالآت وحجم القضية/ بقلم: شريف محمد جابر.

اثنين, 05/19/2025 - 18:28

 

كلما ثارت شبهات حول بعض أحكام الدين، سواء المباح منها أو الواجب أو المحرّم، ثم تصدى بعض الأفاضل لتفنيدها وبيان الحق فيها؛ خرج علينا بعض الذين لا دور لهم في تصحيح المفاهيم المشوهة ليقولوا لنا إنها معارك صغيرة، وإن الرادّين لا يختلفون عن طارحي الشبهات، وإن الجميع منقادون لردود فعل عاطفية. أمّا صاحبنا فهو العاقل الأخير في هذا العالم، والذي هبط من برجه العاجي ليخبرنا بهذه الحقيقة، ثم يعود إلى سباته الطويل!

حجم القضية

لا توجد معارك صغيرة ومعارك كبيرة في دين الله، والمسلم يقدّر كل معركة بقدرها، وبعض ما يبدو صغيرًا في حجمه وأثره هو في الواقع مرتبط بمنظومة تعمل على تفتيت الدين والتقاليد المؤسسة عليه لأغراض شيطانية يحملها الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.

إن إباحة الزواج قبل سنّ 18 ليس ركنًا من أركان التوحيد، ولكنه حجر ضمن بناء تشريعي متكامل، فالله عز وجل لا يبيح أمرًا من أمور الآدميين دون أن يكون له دور في صلاح الحياة البشرية. والمسلم لا ينظر إلى حجم هذا الحجر في بناء الدين الكبير ليعرف حجم القضية، بل ينظر إلى (الدوافع) و(المآلات) و(الارتباطات) ليبصر حجم القضية.

وحين نفعل ذلك مع الخطاب العلماني والنسوي ضد زواج من لم يبلغن 18 عامًا في بلادنا العربية، وما يُرصَد له من (دراسات) وبيانات من مؤسسات دولية و(توعية) مموّلة، ندرك أن المسألة عند القوم (كبيرة)، فهم ليسوا حمقى ليُضخّموا من حجم (مشكلة) ليست بهذا الحجم في مجتمعاتنا، وفي مقابلها مشاكل أكبر بغير هذا الجيش من الخطابات والبيانات، بل يدركون جيدًا ماذا يفعلون، سواء في خطاب (الزواج قبل الـ 18عامًا) أو في غيره من قضايا المرأة والأسرة، وما يرتبط بها مما ينسجم مع وجهة النظر الحضارية الإسلامية ويختلف مع وجهة النظر الحضارية الغربية.

مشكلة عدم التأهل للزواج لكثير ممن هم دون سنّ 18 من الشباب ليست مشكلة فطرية، بل نشأت بفعل ظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية وقانونية فرضتْها الدولة الحديثة. وهذا الجيش من التحريض على الزواج دون الـ 18 عامًا وغيره من الأنماط الاجتماعية التي عززتها الحضارة الإسلامية، هو حرب لا تكفّ على كل ملامح هذه الحضارة، واستكمال للمحاولات الاحتلالية الحثيثة منذ قرون في إغواء المسلمين عن دينهم وتقاليدهم المخالفة لمعايير الحضارة الغربية. سواء قام بذلك المستشرقون، الذين كانوا وما زالوا في طليعة الاحتلال الأجنبي، أو قام بذلك بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلّمون بألسنتنا وجعلوا قيم الحضارة الغربية معايير لعقولهم، كغلمان إيجي بلاس وغيرهم.

تدافع حضاري

إنها كما ترون جزء من معركة قيمية حضارية، لا تكفّ أدوات الحضارة الغربية فيها عن حشر أنفها في تفاصيل حياتنا، خصوصًا تلك التي لها رصيد من الحيوية الديمغرافية للشعوب، فالشعوب المصابة بالشيخوخة بفعل تدمير مؤسسة الزواج في أوروبا، يدرك قادتها الخطر الكبير في كل ما من شأنه أن يزيد من خصوبة الشعوب الإسلامية، التي تشكّل في المستقبل تهديدًا حضاريّا عليهم، والتي ما زالت تحمل قيم حضارة مناوئة مغيّبة منذ نحو قرنين، بذلوا الغالي والنفيس في تغييبها والقضاء عليها، ولهذا فتوجيه سهامهم -وسهام غلمانهم في الشرق- إلى ممارسات كالزواج المبكر وكثرة النسل يدخل ضمن التدافع الحضاري الذي أخبرنا الله به في كتابه، سواء وعى هؤلاء وأدواتهم دورهم هذا أم لم يعوه، فهي سنن تاريخية تجري على المجتمعات في كل عصر. والشيطان الذي يحرّكهم حاضر كما أخبرنا الله في كتابه، سواء اعتقدوا ذلك أم سخروا منه.

وإذا قيل إن تقييد المباح جرى في عهود الأمة السابقة، نقول: هناك فرق شاسع بين تقييد لمباحات نابع عن أنظمة فقهية وتشريعية إسلامية تعمل في صالح الأمة، وبين تقييد لمباحات هدفه الاتساق مع معايير الحضارة الغربية. فالأول جهد فقهي إصلاحي، والثاني جهد عدائي احتلالي؛ ولهذا فالمسلم لا ينظر إلى المسألة بذاتها من غير النظر إلى ارتباطاتها وغاياتها. والمسلم أفطن من أن يرقّع الجهود العلمانية بخطاب فقهي إسلامي لا تنتمي إليه هذه الجهود!

وثمّة جانب مغفول عنه، وهو أن سنّ الزواج في بعض البلدان الغربية هو دون 18 عامًا بكثير، وهؤلاء المحاربون الأوفياء للزواج المبكر تجدهم متّفقين على الرقم 18، فهو الرقم الذي حددته الأمم المتحدة لشعوب العالم الثالث، أما السادة البيض فلهم معاييرهم المختلفة أحيانًا. وهذا الجانب لو تفكرنا فيه سندرك حجم الاستلاب الذي وقع فيه هؤلاء، وعدم قدرتهم على الاستقلال بمعاييرهم وقيمهم كما استقل سادتهم!

ونعم، نحن ننتهز الفرص ونكتب عن زواج المبكر وغيره من القضايا حين يَطرح أحد المشاهير شبهة في أدمغة أبنائنا وبناتنا، فهذه هي طبيعة الإنسان الجاد، يكتب لا للتنظير المحض فحسب، بل لمواجهة المستجدات، وهو يذبّ عن الدين فيما يُطعن فيه جانب الدين الآن في اللحظة الحاضرة، وهو يحذر مع ذلك من أن يستغرقه ذلك فيقصّر في مهام حياته الأخرى وعن دور المبادرة للبناء لا الردّ فحسب، فلا تعارض بين الأمرين.